في 24 من مايو (أيار) 1980، وبعد أسبوعين من الإرسال التجريبي، باشرت «الشرق الأوسط» إرسال صفحاتها من لندن إلى جدة بالأقمار الصناعية عن طريق استخدام معدات الفاكسيميلي، وبذا أصبحت أول صحيفة في العالم ترسل صفحاتها عبر الحدود الدولية بشكل منتظم من دون استخدام الخطوط الأرضية، كما كانت التكنولوجيا السائدة حينئذ. ولذا اعتبر هذا فتحا جديدا لتقنية الطباعة والنشر المتطورة. ولأول مرة غدا بإمكان القراء في السعودية والدول العربية قراءة الصحيفة في الوقت ذاته مع القراء في دول أوروبا.
اعتماد «الشرق الأوسط» نهج التطوير وتطويع التقنية لخدمة قرائها ورسالتها الإعلامية، لم يتوقف يوما، فواصلت ريادتها عام 1989 باعتمادها الكومبيوتر في قسم الإنتاج، وباتت في طليعة الصحف العربية التي بدأت في استخدامه، ثم ظهرت أول نسخة من الصحيفة على الإنترنت عام 1995.
اليوم.. وفي العاشر من سبتمبر 2013 تخطو «الشرق الأوسط» نحو مرحلة أخرى من الريادة بتدشين موقعها الإلكتروني المطور باللغة العربية، والذي جرى فيه توظيف آخر ما توصلت إليه تكنولوجيا المواقع الإلكترونية، مثل استخدام تقنيات «دروبال» و«ورد بريس» في تنفيذه، من أجل توفير إدارة أفضل للمحتوى وإضفاء ميزات جديدة تتعلق بربطة مع الشبكات والوسائط الاجتماعية المتعددة، والمدونات والأقسام المتعددة التي تسمح بتحويل الموقع إلى «منصة للأفكار والمعلومات» بين الجريدة وقرائها وصحافييها، ومراسليها من حول العالم.
وهنا يصف صحافيون سعوديون وخليجيون تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» هذه الخطوة بـ«تأكيد الريادة»، مشيرين إلى أن إطلاق «الشرق الأوسط» لموقع إلكتروني عربي متطور، يعتمد أحدث التقنيات ويعيد مفهوم المدونات الصحافية إلى الواجهة، هي رسالة من هذه الصحيفة العربية الرائدة بأنها لا تزال في الطليعة.
يقول يوسف البنخليل رئيس تحرير جريدة «الوطن» البحرينية: «إن تدشين أي صحيفة لموقع إلكتروني متطور يربطها بجمهورها بصورة أكبر، هي نقلة نوعية، فكيف إذا كان هذا الموقع لصحيفة بحجم «الشرق الأوسط»، هذا بالتأكيد سيحدث نقلة نوعية للصحافة الإلكترونية في العالم العربي ككل».
وأكد البنخليل أن صحيفة «الشرق الأوسط» سواء الورقية منها أو النسخة الإلكترونية كانت ولا تزال تعمل وفق خطاب إعلامي متزن، وهي ريادة إعلامية تواكب التطور، وذات تأثير كبير في الأحداث.
وتوقع رئيس تحرير صحيفة «الوطن» البحرينية أن تسهم التقنيات الجديدة التي اعتمدتها «الشرق الأوسط» لموقعها الجديد، في خدمة القراء، وجذب المزيد من المتابعين لنشاط الصحيفة، خصوصا بين شريحة الشباب، وهذا بالتأكيد سيمنح الجريدة أيضا فرصة أكبر للتعرف على جمهورها.
فهد العجلان، نائب رئيس تحرير جريدة «الجزيرة» السعودية، يعتقد من ناحيته أن هذه الانطلاقة هي فرصة لتعزيز وجود «الشرق الأوسط» بين جمهورها، مشيرا إلى أن دور المؤسسات الإعلامية اليوم هو أن تستوعب واقع السوق الإعلامية الجديدة، والذي يتطلب الابتكار والمتابعة لاحتياجات السوق الإلكترونية. وقال: «كلما كانت المؤسسة الإعلامية قادرة على مواكبة التطور التقني وتطلعات قرائها، كانت قادرة على النمو والاستمرار، ونحن في صحيفة (الجزيرة) قمنا بمبادرة من هذا النوع، من خلال تقديم منتجات إلكترونية متخصصة بغرض الوصول إلى شرائح جديدة».
وشدد نائب رئيس تحرير جريدة «الجزيرة»، على أن نهج التطوير الذي تعتمده الشركة السعودية للأبحاث والنشر وجريدة «الشرق الأوسط»، وكذلك مؤسسة «الجزيرة» سينقل المنافسة بين الصحف، بصورة أكبر إلى المنتجات الإلكترونية، التي تستمد قوتها أيضا من الأسماء العريقة لتلك المؤسسات الصحافية ومطبوعاتها الورقية.
بينما يصف سعود الغربي، المحاضر في كلية الإعلام والاتصال في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، ورئيس تحرير برنامج صباح السعودية في التلفزيون السعودي سابقا، هذا التوجه بأنه «توجه استراتيجي وذكي من الصحيفة»، وهو مطلب جماهيري أرادت «الشرق الأوسط» بلوغه بأفضل طريقة وعلى أحدث طراز، موضحا أن هذا التوجه بات عالميا، حيث تركز أهم الصحف العالمية اليوم على مواقعها الإلكترونية، بحيث أصبح بعض تلك المواقع «أشبه ما يكون بمسرح كبير متفاعل يلبي رغبات كل القراء».
وبين أستاذ الإعلام في جامعة الإمام أن استخدام التواصل التقني يساعد الصحيفة في معرفة جمهورها وديموغرافية القراء (أعمارهم، اهتماماتهم، السياسية والاقتصادية والفنية.. وغيرها)، موضحا أن ذلك يساعد بالتأكيد أيضا وسائل الإعلام على إنجاح العلاقة بين الجمهور والمعلنين أو أصحاب العلاقة من حكومات ومؤسسات، وأيضا تطبيق مفهوم «رجع الصدى» بأحسن صورة.
في المقابل يصف عبد العزيز الهندي، صحافي سعودي مقيم في لندن، أن تدشين موقع إلكتروني متطور لصحيفة «الشرق الأوسط»، هو عمليا مواصلة لنهجها الذي انطلقت به وهو «سبق الريادة»، مبينا أن «الشرق الأوسط» ومنذ تأسيسها وهي تقدم خدمات غير مسبوقة لقرائها في العالم العربي، خطوة بخطوة مع أي تطور تقني يحدث في العالم. وزاد: «إن فقط موضوع عودة مدونات الصحافيين وكتاب الصحيفة إلى الواجهة، هو بحد ذاته شيء يدعو للتقدير والإعجاب، كون هذه المدونات هي من سمات الصحف العالمية الرائدة، مثل (واشنطن بوست) و(هيرالد تريبيون) و(لوموند) الفرنسية، ومن دون شك سوف تؤثر تلك المدونات على علاقة القراء بالمراسلين ومحرري الصحيفة، وأيضا على تفاعل القراء مع الجريدة بشكل عام». وأكد الهندي أن لدى «الشرق الأوسط» كل الإمكانات التي تمكنها من جعل الموقع منصة للأخبار السريعة والمتنوعة والخبطات الصحافية الجيدة، لما تملكه من خبرة واسعة وعدد كبير من المراسلين في أنحاء العالم.